يعد البحث العلمي وسيلة العصر الحديث لفهم مختلف الضواهر وذلك بتطبيق المنهج التجريبي كطريقة علمية سواء فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية أوحتى العلوم الانسانيه التي تنشغل بفهم ذات الانسان والتي من اصنافها التاريخ الذي هو دراسة للحوادث التاريخية الماضية وتفسيرها مما وضعت العلماء في تساؤل حول امكانية تطبيق المنهج التجريبي عليها فاذا كنا امام اطروحتين متناقضتين إحداهما ترى انه من الممكن دراسة الحوادث التاريخية دراسه علمية والاخرى ترى عكس ذلك فالمشكلة المطروحة :هل يمكن دراسة الحادثة التاريخيه دراسه علمية؟
ذهب بعض المفكرون امثال ابن خلدون الى القول بان التاريخ علم يستوفي الوسائل العلمية في دراسته للحوادث الماضية .وقد اعتمدوا في تفسير ذلك على منهج خاص بهم مكيف على المنهج التجريبي يدعى "بالمنهج التاريخي الاستقرائي" ويقوم على خطوط كبرى نبدأها بمهمة جمع المصادر والوثائق ,فبعد اختيار الموضوع يبدا المؤرخ بجمع الوثائق والاثار المتبقية الضرورية لاي بحث تاريخي فهي السبيل الوحيد الى معرفة الماضي وفي هدا يقول سنيويوس (لا تاريخ بدون وثائق وكل عصر ضاعت وثائقه يضل مجهولاالى الابد ) والباحث في التاريخ لا يستعمل هذه الوثائق الا بعد نقدها وتحليلها خارجيا من حيث نوع المادة والخط والورق وداخليا من حيث الموضوع فنظرا لكون تلك الآثار قد تكون مزيفة أو متأثرة بالعوامل الطبيعية فكان على الباحثين أن يمارسوا عليها هذا نقدا و تحليلا ماديا ومعنويا فمن الناحية المادية على المؤرخ أن يكون كيميائيا مثلا ليستطيع التعرف على طبيعة الوثيقة ونوعية مادتها المتكونة منها وأن يفحص المادة المكتوب بها من حبر او صبغ . أما من الناحية المعنوية فعلى الباحث في التاريخ أن يكون بسيكولوجيا ليفهم مضمون الوثيقة وما تنطوي عليه من أفكار وتوجيهات تدل على صاحبها كهل نقل الحادث غثا أو سمينا.كما قال ابن خلدون هل الموضوع معالج بطريقة فكاهية أو جادة والالمام بالظروف الاجتماعية والجغرافية والسياسية والاقتصادية التي جرى فيها الحادث ,اذن فاعمال الباحث في التاريخ شاقة تستلزم عليه اكتساب خبرات متعددة فانه يحتاج الى ألفة بفقه اللغة ومعلومات عن اللأنتروبيولوجيا وعلم الخرائط والنقود والخط وغيرها فالباحث يبدل قصار جهده لتمحيص الخبر واعطاءه صفة الموضوعية حيث قال مؤسس التاريخ ابن خلدون في كتابه " المقدمة" في هذا الصدد "النفس اذا كانت على حال من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر " وينتهي الباحث بسلسله البحوث عن وقائع الحادثة بشكل نتائج جزئية مبعثرة فيعمل على ترتيبها وتركيبها وتصنيفها فيضعها في إطارها الزماني والمكاني مما قد يترتب عنها من ظهور فجوات تاريخية فيجد نفسه أما سلسلة فاقده لإحدى حلقاتها يضطر لأن يسدها بواسطة الإفتراض مستندا إلى الخيال الواقعي والإستنباط المنطقي ثم يربط نتائجها ببيان العلاقات التي توجد بينها وهو يعرف بالتعليل التاريخي فيقول إبن خلدون في هذا الشأن "إعلم ان فن التاريخ فن عزيز المذهب ,جم الفوائد شريف الغاية ...فهو محتاج إذا ماخذ متعددة , ومعارف متنوعة وحسن النظر وتثبيت يقضيان بصاحبهما إلى الحق .ينكيان المزلات والمغالط " إلا ان الباحث في التاريخ لايمكنه ان يجرب ولذا لا يمكنه ان يقارن بين الماضي والحاضر فهو غير مضطر أصلا للتجريب وبهذا يكون قد طبق خطوات المنهج التجريبي وتمكن بذلك تجاوز مختلف العقبات ومن هذا كله يمكن القول أنه بإمكان دراسة الحوادث التاريخية دراسة علمية
النقد : مما لاشك فيه أن علم التاريخ ق تجاوز الكثير من الصعوبات التي كانت تعوقه وتعطله لكن رغم ذلك لا يجب أن نبالغ في إعتبار الحوادث التاريخية موضوعا لمعرفة علمية بحته ولذا تبقى هذه الأطروحة نسبية شكلا ومضمونا لأن الدراسات التاريخية لم تصل بعد إلى الموضوعية التي وصلت إليها المفاهيم الرياضية والفزيائية .
يرى مؤيدي ماكس فيبر أنه لا يمكن أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا لدراسة علميه .ذلك لوجود عقبات مصدرها خصائص الحاثة التاريخية وأول هذه العقبات غياب الموضوعية و إفلات الظاهرة التاريخية من الدراسة النزيهة فالباحث في التاريخ يحتكم إلى عقيدته ويدخل أحكامه المسبقة ويتأثر بعاطفة لأن المؤرخ في الأخير انسان ينتمي الى عصر معين, في وطن معين,دون ذات خاصة... وهذا يجعله يسقط ذاتيته بقيمها ومشاغلها على الماضي الذي يدرسه حتى أن فولتير قال "التاريخ مجموعة من الاباطيل والخدع يديرها الأحياء على الاموات حتى تناسب رغباتهم ." ومن خصائص الحادثة التاريخية أنها حادثه إنسانية تخص دون غيره من الكائنات وإجتماعية لانها لاتحدث إلا في مجتمع إنساني فالمؤرخ لايهتم بالأفراد إلا من حيث إرتباطهم والتأثير في حياة الجماعة فالحادثه التاريخية فريدة من نوعها تحدث مرة واحدة ولا تكثر وفي هذا الشأن يقول ماكس فيبر : "إن الحادثه التاريخة هي ما يحدث مرة واحدة " وبناءا على هذه العوائق التي تواحه الباحث في التاريخ قامت إعتراضات على القول بأن التاريخ علم منها
إنعدام الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية الماضية وهذا على خلاف الظواهر الطبيعية الأخرى ثم إستحالة إجراء التجارب فالباحث في التاريخ لا يمكنه أن يحدث لنا حربا حتى يبرهن لنا على صحة ما يقول وهذا ما يجعل المؤرخ بعيدا عن إمكانه وضع القوانين فالعلم لا يقوم إلا على الأحكام الكليه كما يقول أرسطو (لا علم إلا بالكليات ) ثم إن لكلمة علم تطلق على البحث الذي يمكن من التنبؤ في حين أن نفس الشروط تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي لاقدرة على التنبؤ بالمستقبل في التاريخ لأنه يصعب علينا تحديد بدايتها ونهايتها وقد وصف جون كميني ذلك بقوله "التنبؤ يستحيل مع البشر لأنهم يتمتعون بالارادة والحرية "
ومن هذا كله يمكن القول بأنه يمكن دراسه الحوادث التاريخية دراسة علمية.
النقد: مهما كانت الإعتراضات والإنتقادات فإنه لها ما يبررها من الناحية العلمية غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الإعتراضات لاتستلزم الرفض القاطع لعلمية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وإلا كيف لن أن نفسر ما أضافه هذا العلم لفهم الإنسان لتاريخه وذاكرة شعوبه الماضية ويستفيد من تجاربها وعليه فإن هذه الأطروحة تبقى نسبية شكلا ومضمونا لأن الباحث في التاريخ إستطاع تجاوز مختلف هذه العقبات والبحوث التي قاموا بها الباحثون في عصرنا تثبت ذلك .
التركيب: ان اللحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظواهر الحية او الجامدة وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهو مت جعل التاريخ علما من نوع خاص ليس استنتاجيا كالرياضيات ولا استقرائيا كالفيزياء وانما هو علم يبحث عن وسائل علمية لدراسة الماضي وتفسيره وعلى هذا الاساس فإن القول بأن التاريخ لا يمكن ان يكون علما لانه يفتقر الى شروط العلم امر مبالغ فيه كما ان القول بان التاريخ يمكن ان يصبح علما دقيقا امر مبالغ فيه ايضا وعليه فان الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة مما استوجب ان يكون لها منهجا خاصا.
الخاتمة :وخلاصة القول ان للتاريخ فائدة كبرى فهو يرسم لنا كيف كانت نهايه طريق الرذيلة ويخبرنا عن اللذين دافعو عن مبادئهم وسلكوا طريق الفضيلة وقد تبين لنا ان المشكلة تدور حول امكانية تطبيق المنهج العلمي على التاريخ وعليه فان مقعد التاريخ بين العلوم الاخرى يتوقف على مدى التزام الباحثون بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية وبذلك يمكن القول ان التاريخ علم لكن على منواله