خصوصيات سلوك المراهق –من 10 إلى 18 سنة
مقطف من كتاب (التدريب الذهني للمراهقين)
للأستاذ عبد الجواد بوسليمي
1- تطور سيكولوجيا المراهقين نجد الأصول التاريخية لسيكولوجية المراهقة لدى الإغريق ، كما أن ملاحظة هذه الظاهرة موجودة أيضا في الأدب العربي القديم ، تقدر قصائد العصر " البربري" الذي يسمى عادة "الجاهلية"، هذه الفترة من الحياة باعتبارها تقدم الشجاعة والانطلاقة المغامرة التي تميز الشباب. تتطور المراهقة ، في أيامنا هذه من عقد إلى عقد لدرجة لا نستطيع معها تفسير الملاحظات حول مراهقي 1960 أو 1970 بالطريقة نفسها . وتزداد صعوبة هذه التفسيرات حين يكون الهدف المقارنة بين مراهقين ينتمون إلى مجتمعات مختلفة. يتبع هذا التطور الإيقاع نفسه على المستوى الجسدي ، ذلك أن النمو الحيوي يرتبط بالشروط الاقتصادية لكل مجتمع، وتمس التغييرات المراهق على المستوى النفسي والاجتماعي بشكل خاص وتحول وجوده . إذا كانت غالبية الكتب المتعلقة بالمراهقة تذكر القرن الخامس عشر تاريخاً يحدد بداية استخدام كلمة "مراهق"، فان هذا المفهوم موجود في الأدب العربي قبل ذلك ، تحت اسم "فتوة" الذي "يعني" شباب في طور الاكتمال. ويعتبر أفلاطون لدى الإغريق أن ازدواجية الجسد والروح تجد اصلها في النمو التطوري للحياة البشرية، أي أن الروح مشكّلة من مراحل ثلاثة: الرغبة والشجاعة والفكر المستقل عن الجسد ، إن تطور هذه الخصائص الثلاثة التي استلهم منها فرويد الكثير من اجل بناء حججه، قد أدى إلى نمو الذكاء نفسه والذي يميز المراهقة وسن الرشد. ونكشف لدى أرسطو وللمرة الأولى توزيعا زمنيا لمراحل المراهقة . يرى أر سطو أن نمو الكائن البشري يتم وفق مراحل ثلاثة كل منها سبع سنوات : الطفولة الأولى من 0 إلى سبع سنوات ، الطفولة من سبع سنوات إلى أربع عشر سنة، والشباب من خمس عشر سنة إلى واحد وعشرون سنة ويعتبر أر سطو أن هذا النمو إنما يتم من خلال عملية تداخل بين المراحل الثلاثة حيث نجد العناصر التي تميز المرحلتين الأولى والثانية في الثالثة. وقد ساد الاعتقاد في العصور الوسطى أن الطفل والراشد متشابهان وان مفهوم المراحل ليس بذي دلالة لان الفرق يدرك فقط على المستوى الكمي وكان الطفل يعتبر راشدا صغيرا . أما في الوطن العربي ، فقد اعتبرت المراهقة حالة فردية، بمعنى أن شابا لا يقدم حتما مفهوما عن الشباب جميعا ، وتلك رؤية بحاجة إلى التعميق في رأينا، ذلك أن بعض الباحثين يتحدثون بحق عن المراهقين ، وليس عن مراهق فرد. وهذا ما يفسر لنا استحالة إخضاع المراهقين جميعا للخصائص نفسها وللسلوكيات المتطابقة. لقد استخدم لفظ مراهق في عصر ما قبل الإسلام بالمعنى السلوكي للفرد لتمييزه عن الراشد، انه الشاب المرادف للفارس المقاتل والتائه في الصحراء لحماية مصالح قبيلته، هذا الشاب يتصرف بطريقة مستقلة، ذلك أن دوره في القبيلة محدد جدا، كما يقيّم كل فرد من خلال موقفه من البنية القبلية. إن ظهور مؤسسة للشباب منفصلة عن الروابط الأسرية والقبلية لا يمكن أن توجد إلا في المدن. وكان يجب انتظار القرن الثامن لنلاحظ مجموعات من الشباب تأتي لتستقر في جوار المدن الكبيرة مثل دمشق وبغداد أصبحت هذه الشبيبة " الفتوة" مؤسسة مدنية جيدة البنية وتتميز بمظهرين مختلفين : إنها طبقة اجتماعية ترفض الخضوع للنظام السائد، وطبقة أخرى محافظة منخرطة في القضايا الاجتماعية بفضل موقفها المسيطر، وقد تميز هؤلاء الشباب ذوو الأصل البرجوازي بطابع حياتهم المختلفة عن الراشدين، فكانوا يجتمعون غالبا كشباب عازبين رافضين الأسرة أو النظام الحضاري. أما الشباب من الطبقة الفقيرة، فقد تميزوا بترحالهم "فتيان حائرون" وانشغالهم بالدفاع عن المعوزين في مجتمعه، مثل الأرملة واليتيم ، وكانوا يقبلون في مجتمعاتهم العبيد والعاطلين عن العمل والمنحرفين، وقد رفضوا، فقط، الأشخاص الذين يرتكبون الخطايا المنافية للإسلام. لذلك سنلاحظ فيما بعد استيعاب هؤلاء الشباب من قبل الجمعيات ، مثل الصوفيين والجامعات الدينية ونستنتج من هذا أن نقطة التقاطع بين هاتين الفئتين من الشباب هي التجمع المنظم خارج نطاق المؤسسات الاجتماعية التقليدية، وفاقا لمجموعات السن. وبما أن للأسرة في التقاليد العربية الإسلامية سيطرة كبيرة على الفرد، فان مؤسسات الشباب هذه توضعت بشكل حصري في المدن، حيث يحصل الشباب على ثقافة خاصة بهم مختلفة عن ثقافة الراشدين ، لقد اعتبر ابن خلدون، من خلال تقسيمه للتغيير الاجتماعي على مراحل من ثلاثين سنة ، إن النزاع بين الأجيال يمر بمراحل ثلاثة كل منها عشر سنوات، لقد أكد ابن خلدون قدوم الشباب إلى أطراف المدن الكبرى من خلال اعتقاده أن الإنسان إنما يتميز بتغييره الطبيعي ، إلا أنه "مدني بالطبع " ونجد في عصر النهضة ، طريقة جديدة في معالجة النمو البشري، خاصة مع كومينيوس (1092-1670) COMENIUS الذي اعتبر أن الطفل يتطور عبر أربع مراحل، كل منها ست سنوات، المرحلة الأولى من ست سنوات يكتسب فيها الطفل تربية أساسية في أسرته . من سبع سنوات إلى اثنتي عشرة سنة . على الطفل أن يحصل فيها على تربية خاصة لتعلم اللغة آلام . الفترة من اثني عشرة سنة إلى ثماني عشرة سنة وتخصص لتعلم الحساب والمحاكمة ، كما قال بذلك أفلاطون، من ثماني عشرة سنة إلى أربع وعشرين سنة، يحبذ كومينيوس نمو السيطرة على الذات والسفر من أجل تشذيب الشخصية . لقد كان جون لوك LOCKE في انكلترا وجان جاك روسو ROUSSEAU في سويسرا في القرن الثامن عشر، روادا في الأفكار الجديدة المتعلقة بالنمو البشري. فقد اعتبر لوك أن ملاحظة المحيط حولنا هو في اصل تقدمنا، وان التجربة هي مصدر معارفنا حول العالم ، انهما العنصران اللذان يسمحان لنا بادراك العالم وفهمه. وتتداخل كل هذه العناصر مع ولادة الطفل كي تطبعه عبر نموه السلبي في بداية حياته حتى سن المحاكمة الذي تمثله المراهقة. ويعتبر روسو الذي تأثر بأفكار لوك ، ان الطفل طيب بالطبيعة وان المجتمع هو الذي يكيفه وفقا لمعاييره. ويميز أربع مراحل في النمو البشري : الطفولة الأولى التي يسميها أيضا المرحل الحيوانية وتمتد من سن 0 إلى أربع سنوات، الطفولة أو المرحلة الوحشية من 5 إلى 12 سنة ، الشباب من 12 إلى 15 سنة والمراهقة من 15 إلى 20 سنة. ويحبذ روسو في المرحلة الحيوانية سبرا للملكات الحسية الحركية للطفل دون أن يرهقه بتعليم يمكن أن يخنق طبيعته. ومن وجهة أخرى ، ينصح في المرحلة الوحشية بحماية الطفل من كل تعليم شكلي، ذلك انه من الممكن إدخال الاضطراب إلى تجربته الشخصية التي ينميها من خلال اللجوء إلى حواسه ويمكن انطلاقا من سن 12 ، البدء بالتربية العقلية ويرى روسو من خلال التزامه بموقف دفاع عن الطبيعة البشرية انه في فترة المراهقة يكتسب المرء نضجا تاما ويصبح بهذا سيد قراراته. ويجب أن نلاحظ أن روسو يلغي الدور الذي يمكن للمجتمع أن يقوم به ، أي التربية والثقافة في شخصية المراهق . لقد حاولت كافة نظريات النمو بدءا من القرن الثامن عشر إدخال ظاهرة المراهقة في تفسيراتها للسلوك البشري ، وتخضع هذه التفسيرات لسوء الحظ ، لاستراتيجيات النظرية ولا تشتمل على كل مظاهر المراهقة وسنستعرض الأعمال الأكثر دلالة والمتعلقة بسيكولوجيا المراهقة من أجل فهم تطور مختلف المسارات التي تتدخل في تكوين الشخصية المراهقة، غير انه لا بد أولا من تعريف هذه الكلمة . 5-2- النمو الفكري للمراهق يبدل المراهق طريقة تقربه من الواقع في طور الذكاء الشكلي ، يبدأ هذا الطور في سن 12 ليستمر حتى سن الرشد ، يرى بياجيه أن الفكر، الفرضي الاستنتاجي يتحقق في سن 12 ويسمح للمراهق بمعالجة فرضيات في موقف معين وان يتحقق عموما من مصداقيتها كي يستخرج منها النتائج. يصل المراهق إذا إلى محاكمة على فرضيات مجردة. إذا كنا نتحدث في سن 14 أو 15 عن قاعدة تطور فان هذا الأمر لا يمنع من أن يستمر الفكر الشكلي في النمو بعد المراهقة. من جهة أخرى، يلاحظ عدد من الباحثين الذين استأنفوا تجارب بياجيه في البلدان المختلفة، أن الذكاء الشكلي لم يسيطر على المراهق سوى بشكل جزئي في ذلك العمر وبشكل مختلف بين بلد وآخر. 5-3- الفكر الشكلي العملياتي يرى بياجيه أن الفكر الشكلي العملياتي يعطي المراهق القدرة على إقامة العلاقات بين الواقع والممكن، ونلاحظ إضافة إلى المحاكمة الفرضية الاستنتاجية إعادة تنظيم النظام الادراكي لدى المراهق، ويتمثل اكتساب هذه المرحلة إذا في الانتقال من المحسوس إلى المجرد من اجل تخطيط الأفعال المستقبلية وتقدير فرص نجاح هذه الأفعال أو فشلها. ويسمح هذا الفكر العملياتي أيضا بإجراء المحاكمات حول عدة متغيرات في الوقت نفسه، مثل الزمان والمكان والسرعة، كما يدعى هذا الفكر تركيبياً لأنه يسمح للمراهق في أن يواجه كل احتمالات الموقف. ويتميز الشق الثاني من الفكر الشكلي بما يسميه بياجيه PIAGET" مجموعة هـ . ن . ت .ت" ويعنى هذا المصطلح : هوية ، نفيا وتبادلا وترابطا . تعود الهوية إلى تحليل أولي للشيء " واقعة وضع ثقل على إحدى كفتي الميزان" ويتمثل النفي في القيام بالعملية المعاكسة، أي برفع الثقل ، أما التبادل فهو وضع ثقل في كفة الميزان الأخرى. والترابط عكس التبادل ، ويتمثل في تعديل الوزن الثاني بالنسبة للأول لخلق توازن ، أن مجموعة هـ.ن.ت.ت. هي تتابع عمليات مترابطة فيما بينها ويمكن لتأثير إحداها أن يقابله تأثير الأخرى أو أن يقابله تركيب المجموعة كلها في موقف معين، يجب أن نلاحظ أن السيطرة على الفكر الشكلي التام لا يدرك من قبل المراهقين، ونلاحظ، حتى لدى بعض الراشدين الأصحاء بعض الخلل في هذا المستوى .
5-4- مساهمات النظرية الفكرية وحدودها في نمو المراهق تظل نظرية بياجيه في أيامنا هذه ، المرجع الأول للأبحاث المتعلقة بنمو الذكاء لدى المراهق ، ويرى بياجيه أن ليس للتغيرات النفسية في المراهقة أصل داخلي فقط ، كما يؤكد علم النفس التحليلي ، وليس لها أصل خارجي محض كما يرى ذلك علم الاجتماع، بل يجد النمو الفكري للمراهق أصوله في الفكر العملياتي وفي قدرة المراهق على التجديد وبناء الفكر، ويبقى هذا النمو في تفاعل مستمر مع المحيط الاجتماعي ويتطلب تكيفا من قبل المراهق . من الواضح أن بياجيه ، باعتباره بنيويا ، قد أراد أن يعطي انطلاقة جديدة للنمو الفكري لدى المراهق ومن هنا جاءت رغبته في ربط النفس بالمحيط الاجتماعي واعتبار علاقتهما بنائية ، ويعترف ، هو نفسه ، على مستوى تعميم النظرية ، أن الملاحظات التي تمت بالتعاون مه انهلدر ربما تمت على جمهور متميز إلى حد ما ،ولقد انتُقد بياجيه في الواقع، فيما يتعلق بصلاحية ملاحظاته بالنسبة لأطفال بلدان أخرى غير سويسرا . أما النقد الآخر فيتعلق بالذكاء الشكلي (Intelligence Formelle )، الذي يؤكد أن الأطفال قادرون على بعض المحاكمات المنطقية دون الوصول إلى التركيب. وقد عاب باحثون آخرون مثل لوهال LE HALL ، على بياجيه رؤيته الخاطئة حين اعتبر انه بدءاً من اللحظة التي تلاحظ فيها لدى الذات كفاءات تنسب إلى التحليل البنيوي موضوعيا، فان هذه الذات "تملك هذه البنية، التي يجب أن تظهر في مناسبات أخرى، وبما أن هذا الظهور لا يلحظ دوما ( الفروق بين الأفراد)، نخرج بنتيجة مفادها أن التحليل البنيوي غير ملائم". ويرى لوهال أن هذا التفسير يقوم على فهم مزيف للبنيوية ، إذ ليس باستطاعتنا الفصل بين البنى وعملها ، ويذهب "البياجيون" الجدد إلى ابعد من ذلك في انتقاداتهم ويساهمون في عملية إعادة بناء كاملة للمفاهيم "البياجية" . ورغم الانتقادات المختلفة ، يشهد هذا التقرب تطورا كبيرا في تفهم آليات نمو الذكاء لدى المراهق، ويكسب العديد من الاتباع بين المربين. نعالج الآن التقرب البيئي لنمو المراهق.
6- المقاربة البيئية للمراهقة تتميز المراهقة ، وفاقا لهذه النظرية ، بتعدد البيئات التي يدركها الكائن البشري من خلال نضجه ونموه. يحاول التقرب البيئي ، احتواء كافة العوامل التي تتدخل في نمو المراهقة من العامل الصغير الذي يسميه النظام المصغر إلى الأكثر كبرا الذي يعتبره نظاما أكبر، وبين هذين الوسطين نجد نظاما وسطا ونظاما خارجيا . يعرف النظام الأصغر على انه مجموعة العلاقات بين الأفراد التي يعترف بها الشخص المعني في محيط محدد يمتلك مميزات خاصة. يرى علماء البيئة أن المدرسة نظام أصغر يحمل دلالات وعلاقات مختلفة تمس المراهق وتكون العلاقات الثنائية والمجموعات المؤلفة من اثنين والارتباطات ضمن المدرسة أنظمة صغيرة أخرى . ويشكل النظام الوسطي الفئة الثانية من هذه التراتبية التي أقامها علماء البيئة ويرتبط هذا النظام بمختلف العلاقات ضمن محيط مساهمة الفرد مثل الأسرة والمدرسة والنادي الرياضي والثنائيات والأصدقاء، وينوع المراهق في هذا المستوى علاقاته ويزيد بالتالي من نموه. المستوى الثالث من النظرية البيئية هو النظام الخارجي الذي يرتبط بمحيط أو عدة محيطات ، ليس من المحتم على الفرد أن يساهم فيها بالأحداث بشكل مباشر ، غير انه يتأثر بها مع ذلك، وتقدم علاقات صداقة الأهل أو عملهم أمثلة عن النظم الخارجية للمراهق . إن النظام الأكبر هو مجال القيم التي يؤمن بها المراهق ويتأثر . وتمثل الأفكار التي يكونها الراشدون عن الشباب والرعاية ودورها في المجتمع أمثلة عن النظام الأكبر المتعلق بالمراهقة . لقد شرح برونفن برينر BRONFENNBRUNNER ، النمو البيئي بشكل جيد، و أكد أن الانتقال البيئي هو أساس التغيير في النمو البشري ، ويلحظ هذا الانتقال في كل مرة تحدث فيها طفرة لدى الفرد ، وينتج كل تغير في المحيط أو الدور موقفا بيئيا جديدا ، يغير الكائن ، ويظل المراهق في عملية تطور مستمرة من خلال حركته والتغييرات التي يتعرض لها .
6-1- مساهمات المقاربة البيئية وحدودها يعرف برونفن برينر النمو البشري على انه " مسار يكتسب الشخص من خلاله مفهوما أكثر اتساعا وافضل تمايزا واكثر صلاحا عن البيئة، ويصبح معه مقتنعا ومستعدا لاطلاق فعاليات تجعله يدرك هذا المحيط أو يتحمله أو يعيد بناءه على درجات متساوية، أو أن يجعله اكثر تعقيدا على مستوى الشكل والمضمون" لا يمكن لهذا التعريف، في رأينا، أن ينطبق على نمو الطفل، بل يمكن أن ينطبق على نمو الطفل، بل يمكن أن ينطبق، رغم تعقيده التعبيري، على المراهقة. ويرافق هذه المرحلة من الغليان الاجتماعي والجسدي والفكري لدى المراهق، حركة قوية عبر مختلف البيئات. يقدم هذا التقرب غنى كبيرا من أجل فهم المراهقة ، ذلك أنه يعرض منظورا شاملا للنمو لا يراه في علاقته مع الفرد فقط ، بل ينظر إليه في بيئته الشاملة. ومن المؤسف أن لا يشكل هذا التقرب حتى الآن نظرية خاصة بنمو المراهقة. وعلى الرغم من القواعد التجريبية التي وصفها هذا التقرب لنفسه ، يمكننا أن نكون متفائلين بفضل المبادئ المعلنة التي تحتم دراسة المراهقة ضمن منظور تفاعلي بين الذات ومحيطها. نشرع, بعد هذه النظرية الواعدة في المقاربة الانتروبولوجية لنمو المراهق .
7- المقاربة الانتروبولوجية للمراهقة لقد قامت مارغريت ميد (1901 -1978) MEAD ، بدور هام في نشر هذا المفهوم عن التطور البشري ، يقدم علماء الانتروبولوجيا الثقافية الثقافة باعتبارها عنصرا حاسما في النمو ، على عكس غالبية نظريات النمو التي تستوحي التقرب الدارويني الذي يقيم تحليله على هيمنة البيولوجيا ، وهم لا يكتفون ( الانتروبولوجيون الثقافيون) بمعارضة الشروح البيولوجية ، بل يبرهنون أن الملاحظات التي تمت في الغرب غير صالحة لدى مراهقي هذه المجتمعات ، كما هو الحال في بولينيزيا. تعتمد هذه النظرية بشكل رئيسي على التحليل النفسي كي تدعم الملاحظات التي تم جمعها في الحقل ، وتسمح هذه النسبية الثقافية للمفهوم الانتروبولوجي في ان يكون جذابا وملائما ، ذلك انه اذا كانت "مارغريت ميد" تؤكد انه في "ساموا" لا تهتم الام بتربية احد اطفالها اليافعين اذا عهد بمسؤولية ذلك الى من هو أكبر منه سنا " ويمكن ان تشمل هذه الملاحظة في رأينا مجتمعات أخرى ، حيث للعلاقات العائلية تنظيم خاص وعادات سائدة منذ قرون، مثل التنظيم التراتبي في العائلة الذي يحترم بشكل ضمني في البلدان العربية الاسلامية . لا ينتظر المراهق ان يعهد اليه بمسؤولية من هو اصغر منه سنا، وهو يعرف ان عليه ان يحترم من هو أكبر منه. من المفيد ان ندرس بالتفصيل الروابط الخاصة، بخاصة سلوك الولد الاكبر في العائلة، من منظور الفروق بين الجنسين.ز ونستطيع بذلك ان ندرك دلالة الفروق بين الثقافات التي تدافع الانتروبولوجيا عنها وترى "ميد" عندئذ انه في المجتمعات البدائية لا تغير المراهقة حياة الفرد بشكل مفاجئ ، ذلك ان بعض الادوار تكون قد اكتسبت ، بعكس المراهقة الغربية التي تكتشف هذه الادوار وتحصل عليها.
8- المقاربة العلاقتية للمراهقة تعتبر هذه المقاربة المراهقة منعطفا في حياة الشخص، وتقدم مرحلة تنشئة اجتماعية متطرفة، حيث يعيش المراهق توترات كبيرة ناتجة عن الادوار الجديدة التي عليه ان يقوم بها، والتغيرات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها. وهناك عناصر أخرى ذات أهمية رئيسية بالنسبة للمراهق، اذ تقدم الطبقة الاجتماعية التي تنتمي اليها الاسرة والثقافة المهنية عناصر تنشئة اجتماعية، ويكون لهذه العناصر أبعادها الخاصة التي تسيطر عليها والتي يدخل معها المراهق في علاقة كي يؤدي أدواره، ويعتبر اصحاب نظرية الادوار الاجتماعية ، مثل الانتروبولوجيون، ان العنصر البيولوجي غير حاسم، ولكنهم لا ينفون وجوده. الاهم اذا هو مسار تنشئة عبر الادوار التي يقوم بها المراهق والمكانة التي يعطيه اياها المجتمع . يقوم الراشد ، أثناء مرحلة الطفولة ، باحتكار هذه الادوار ، ولا يقوم الطفل في الغالب بالواجبات التي تمس مسؤوليته المباشرة ويكشف في مرحلة المراهقة عن قائمة أدوار جديدة ، يجب السيطرة عليها، تغير الفتاة المراهقة دورها في لعبة الشريكة من أجل تشكيل الثنائي الزوجي، وهذا أمر لم تكن تعرفه حين كانت أصغر سناً، ويهيأ الفتى الاندماج في مشروع رئيس فريق او في أدوار أخرى . ان اول مظهر من هذا التفسير الاجتماعي، هو ان على المراهق، الذي هو ليس طفلا ولا راشداً، ان يجابه ادواراً ومواقف غير معروفة، ويعتبر الجانب الثاني ان للمحيط تأثيرا حاسما في الوصول الى هذه الادوار والمواقف. وتقود مفاهيم الادوار والمواقف الى تصنيف الاشخاص وفاقا لمعايير الارتباط بفئة محددة جداً. ويتم هذا التصنيف على مستوى التمثيل ويحدد نوع العلاقات بين الافراد ويمكننا ان نصنف الاشخاص نسبة الى " أخيهم "و"ولدهم" "رجل " أو مرب" ونسند الى كل فئة دورا أو مكانة. تعنى المكانة المواقف والسلوكات التي ينتظرها الفرد من الآخرين وفاقا لموقعهم الاجتماعي الذي يحتلونه. ويعني الدور من جهة أخرى المواقف والسلوكات التي على الفرد نفسه ان يطورها لكي يثبت مكانته .
8-1- مجموعات المراهقين يتم التمييز منذ سنوات عدة، بين مجموعات الراشدين ومجموعات المراهقين. وهذا التمييز النفسي الاجتماعي ضروري، حتى ولو انه يأخذ أحيانا تسميات عامة جدا مثل عصابات الشباب. لمجموعات المراهقين خصائص على مستوى تشابه السلوك والاهداف المطلوبة، ونلاحظ، من بين خصائص مجموعات المراهقين، العفوية والتعبير، على عكس مجموعات الراشدين التي تتميز بآلياتها. ذلك ان تشكل المجموعة يلبي رغبات غير معترف بها يمكننا ان نعتبر، مجازيا وبالمقارنة، ان مجموعة المراهقين مؤسسة غير رجعية بشكل تام، ومن جهة أخرى تقدم مجموعات المراهقين تنظيما نفوذيا ومفتوحا أمام كل انتساب بعكس مجموعات الراشدين حيث لا انتساب منظم ومعايير القبول جيدة التحديد.
منقول